خطبة بعنوان : الأمانة عنوان الإيمان وأثر هذا على الفرد والمجتمع، للشيخ السيد عاطف خليل
خطبة بعنوان : الأمانة عنوان الإيمان وأثر هذا على الفرد والمجتمع، للشيخ السيد عاطف خليل
بتاريخ 17 من محرم 1437هــ – 30 من أكتوبر 2015م
للشيخ/ السيد عاطف خليل
عناصر الخطبة:
العنصر الأول : الأمانة ومكانتها في الإسلام.
العنصر الثاني: الكلمة وخطورتها.
العنصر الثالث: التحذير من الخيانة.
العنصر الرابع: نماذج من أداء الأمانة.
العنصر الخامس: الأمانة في الفرد والمجتمع.
المقدمة: الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال ، وتوحد بالكبرياء والكمال ، وجل ّ عن الأشباه والأشكال … أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال ، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال.. وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير هو الأول ، والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه و من اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين. أما بعد:
عبـــــــاد الله : – إن الأمانة عنوان الإيمان فعن أنس قال: ما خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال: ” لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ” رواه أحمد في مسنده رقم 13199 وحسنه الألباني
ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهَ : (لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له) مكارم الأخلاق للخرائطي رقم 162
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من صفات المؤمن هي من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» رواه الترمذي في سننه رقم 2627 وحسنه الألباني
ولأن هناك في الزمان من يؤمن الخائن ويخون المؤتمن وهذا له مرارة لا يحسها إلا من جربها، ولقد ابتليت أمتنا أيضاً ببعض الأفكار المتشددة الذين ينصبون أنفسهم للتحدث في أمر الناس بأن يعينوا أنفسهم أوصياء وهم نابتة ؛ بل خربوا الحرث والنسل وما الذي يحدث في سيناء عنا ببعيد حمى الله مصر وجيشها وشعبها وسائر بلاد المسلمين فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» ، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه في أمر العامة» رواه ابن ماجة في سننه رقم 4036
العنصر الأول : الأمانة ومكانتها في الإسلام
فالأمانة خلق من أخلاق الإسلام التي دعانا إليها ديننا الحنيف فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء
ولقد أعطى الله الإنسان من النعم ما تعينه على أداء مسئوليته والقيام بأمانته قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب
والمراد بالأمانة هنا: أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله- تعالى- بها عباده، من إخلاص في العبادة، ومن أداء للطاعات، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
وسمى- سبحانه- ما كلفنا به أمانة، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا- سبحانه- بها، وائتمننا عليها، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.
والمراد بالإنسان: آدم- عليه السلام- أو جنس الإنسان.
والمراد بحمله إياها: تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها. التفسير الوسيط لطنطاوي 11/253فعلى المسلم أن يحافظ على أداء التكاليف الشرعية من صلاة وصوم وزكاة وحج ، وعليه أيضاً أن يؤدي الأمانة من ناحية القول والعمل ، وفي حفظ الودائع ، والأمانة في البيع والشراء ، والأمانة في حفظ الأسرار ، وحفظ الجوارح.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استحيوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحياءِ، قَالَ: فقلنا: يَا رسولَ اللَّهِ، إنَّا نَسْتَحِي وَالحَمْدُ للَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، ولكن الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وعى، وَتَحْفَظَ البَطْنَ وَمَا حوى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ والبلى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَركَ زِينَةَ الدّنْيَا، فَمَنْ فَعَل ذَلكَ فَقَدْ استحيا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاء» سنن الترمذي رقم 2458 حسنه الألباني وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ، (أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: «أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، وَالصِّدْقِ، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ»، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ) رواه البخاري في صحيحه رقم 2681
العنصر الثاني: الكلمة وخطورتها:
والأمانة تتطلب صدق الحديث وأداء الودائع لأصحابها سواء أكانت مادية أو معنوية فالتحدث باسم الدين يتطلب العلم والخشية من الله لأنه سيكتب لك أو عليك ما تتكلم به؛
فعن بِلَالَ بْنَ الحَارِثِ المُزَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» رواه الترمذي رقم 2319 وصححه الألباني
ولقد حرم الله تعالى الفواحش في القول والعمل فقال تعالى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) الأعراف
قال ابن كثير 3/ 409 : وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التعدي إلى الناس، فحرم الله هذا وهذا.
فعن عبد الله بن دينار، قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة، فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع؟
قال: نعم. قال: بعني شاة من الغنم. قال: إني مملوك. قال: قل لسيدك: أكلها الذئب. قال: فأين الله – عز وجل -؟
قال ابن عمر: فأين الله! ثم بكى، ثم اشتراه بعدُ، فأعتقه! ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 215
ولقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن حفظ الأمانة وأدائها سبب من أسباب دخول الجنة فعن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم ” مسند أحمد رقم 22757 حسن لغيره كما حققه شعيب الأرنؤوط وصححه الألباني
العنصر الثالث: التحذير من الخيانة:
ولقد حذر سبحانه وتعالى من خيانة الأمانات فقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)الأنفال
روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا روايات منها:
ما جاء عن ابن عباس من أنها نزلت في أبى لبابة حين بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بنى قريظة فقالوا له: يا أبا لبابة ما ترى؟ أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟
فأشار أبو لبابة إلى حلقه. أى أن حكم سعد فيكم سيكون الذبح فلا تنزلوا.
قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي- عن مكانهما- حتى علمت أنى قد خنت الله ورسوله.
ومنها ما جاء عن جابر بن عبد الله من أنها نزلت في منافق كتب إلى أبى سفيان يطلعه على سر من أسرار المسلمين.
ومنها ما جاء عن السدى من أنها نزلت في قوم كانوا يسمعون الشيء عن النبي- صلى الله
عليه وسلم- ثم يحدثون به المشركين.. .
قال ابن كثير: والصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص فإن الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هو المعتمد عند الجماهير من العلماء. تفسير ابن كثير 4/41
وقوله لا تَخُونُوا من الخون بمعنى النقص. يقال خونه تخوينا أي: نسبه إلى الخيانة ونقصه.
قال الإمام الزمخشري: معنى الخون: النقص، كما أن معنى الوفاء التمام. ومنه تخونه إذا تنقصه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه. وقد استعير فقيل: خان الدلو الكرب- والكرب حبل يشد في رأس الدلو- وخان المشتار السبب. والمشتار مجتنى العسل والسبب الحبل- لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له والمقصود بخيانة الله: ترك فرائضه وأوامره التي كلف العباد بها، وانتهاك حرماته التي نهى عن الاقتراب منها ….الكشاف 2/ 213.
والمقصود بخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم: إهمال سننه التي جاء بها وأمرنا بالتقيد بتعاليمها.
والمقصود بالأمانات: الأسرار والعهود والودائع وغير ذلك من الشئون التي تكون بينهم وبين غيرهم مما يجب أن يصان ويحفظ.
والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ بأن تهملوا فرائضه، وتتعدوا حدوده، ولا تخونوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، بأن تتركوا سنته وتنصرفوا إلى غيرها، وتخالفوا ما أمركم به وتجترحوا ما نهاكم عنه، ولا تخونوا أَماناتِكُمْ بأن تفشوا الأسرار التي بينكم، وتنقضوا العهود التي تعاهدتم على الوفاء بها، وتنكروا الودائع التي أودعها لديكم غيركم، وتستبيحوا ما يجب حفظه من سائر الحقوق المادية والمعنوية، فقوله: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ معطوف على قوله لا تَخُونُوا.
وأعاد النهى للإشعار بأن كل واحد من المنهي عنه مقصود بذاته اهتماما به. الوسيط لطنطاوي 6/ 81
لذلك حرص الإسلام على أدائها في كل عمل ..في العبادات والمعاملات وفي البيع والشراء وفي الوظائف والأعمال وتولى المناصب وفي التعامل الأسري وتربية الأولاد وحتى في معاملة غير المسلم لابد أن يتخلق المسلم بالأمانة وقد وصف الله أهل الإيمان فقال تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) سورة المؤمنون.. قال القرطبي رحمه الله : (والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال) (تفسير القرطبي 14/253) .. والأمانة هي خلق سيد الأنبياء وخاتمهم صل الله عليه وآله وسلم ، عرف بها وشهد بذلك أعدائه وقد أمر بأداء الأمانة وحفظها ونهى عن الخيانة ولو مع الخصم الخائن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) رواه أبو داود في سننه رقم 3535. حتى مع من خانك لا ينبغي لك أن تنزل إلى مستوى أخلاقه فتخونه فتكونوا في الإثم سواء.
وقال تعالى : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) الأنفال
أي : وإما تعلمن- يا محمد- من قوم بينك وبينهم عهد أنهم على وشك نقضه منهم، بأمارات تلوح لك تدل على غدرهم، فاطرح إليهم عهدهم على طريق مستو ظاهر: بأن تعلمهم بنبذك عهدهم قبل أن تحاربهم، حتى تكون أنت وهم في العلم بنبذ العهد سواء، لأن الله- تعالى- لا يحب الخائنين وإن من مظاهر الخيانة التي يبغضها الله- تعالى- أن يحارب أحد المتعاهد معه دون أن بعلمه بإنهاء عهده.
قال ابن كثير: قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن أبى الفيض عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم ليقرب منها، حتى إذا انقضى العهد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدرا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة، ولا يشدها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» . قال: فبلغ ذلك معاوية فرجع، فإذا بالشيخ عمرو بن عيسة.
ثم قال ابن كثير، وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد عن سلمان الفارسي أنه انتهى إلى حصن أو مدينة فقال لأصحابه:
دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال: إنما كنت رجلا منكم فهداني الله إلى الإسلام فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أنتم أبيتم، فأدوا الجزية وأنتم صاغرون فإن أبيتم نابذناكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون الله».
وقال الفخر الرازي: قال أهل العلم: آثار نقض العهد إذا ظهرت، فإما أن تظهر ظهورا محتملا، أو ظهورا مقطوعا به.
فإن كان الأول: وجب الإعلام على ما هو مذكور في هذه الآية، وذلك لأن بنى قريظة عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله، فحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الغدر منهم به وأصحابه، فهنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم عهودهم على سواء ويؤذنهم بالحرب.
أما إذا ظهر نقض العهد ظهورا مقطوعا به، فهنا لا حاجة إلى نبذ العهد، وذلك كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وصل إليهم جيش رسول الله بمر الظهران، وذلك على أربعة فراسخ من مكة.أى: أنهم لم يعلموا بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء لمحاربتهم إلا بعد وصوله إلى هذا المكان، وبذلك ترى أن تعاليم الإسلام ترتفع بالبشرية إلى أسمى آفاق الوفاء والشرف والأمان وتحقر من شأن الخيانة والخائنين، وتتوعدهم بالطرد من رحمة الله، وبالبعد عن رضوانه ومحبته. الوسيط لطنطاوي 6/137
فلأن الله يكره الخيانة والخوان فقد قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) سورة النساء
وقال تعالى : بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) سورة آل عمران.
أي كل من أوفى بعهد الله فآمن بنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم واستقام على دينه، واتقى ما نهى الله عنه من ترك الخيانة والغدر وما إلى ذلك من المحرمات، فإن الله يحبه ويرضى عنه، ومن لم يفعل ذلك فإن الله يبغضه ولا يحبه ويعذبه العذاب الأليم.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد بينت أن محبة الله لعبده تتوفر بأمرين:
أولهما: الوفاء بالعهد. فكل ما يلتزمه الإنسان من عهود فالوفاء بها واجب. وفي مقدمة هذه العهود، العهد الذي أخذه الله على عباده بتوحيده والإيمان برسله وعلى رأسهم محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وثانيهما: تقوى الله بمعنى أن يجتنب ما نهى الله عنه وحرمه عليه، ولا يفعل إلا ما أحله الله وأذن له فيه.
وقد خلا اليهود من هذين الأمرين، لأنهم لم يفوا بعهودهم، ولم يتقوا الله، فسلبت عنهم محبته، واستحقوا غضبه- سبحانه- ونقمته. الوسيط لطنطاوي 2/151
العنصر الرابع: نماذج من أداء الأمانة
النموذج الأول : عندما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة كانت أكواما من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض حملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال قال ابن جرير:لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز قال عمر إن أقواما أدوا هذا لذووا أمانة فقال له على ابن أبى طالب رضي الله عنه :(انك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية) .. إنها الأمانة حينما كانت سلوك أمة وشعار مجتمع ودستور حياة ..
النموذج الثاني : جاءت امرأة إلى أبي حنيفة تبيع له قطعة من قماش فقال لها: كم ثمنها .. قالت: مائة درهم ، فقال: كلا إنها تساوي أكثر من ذلك فقالت المرأة: أتهزأ بي قال: لا .. فأحضرا رجل آخر يسعرها فقال إنه تساوي خمسمائة درهم .. عجباً المشتري هو من يزيد في ثمن السلعة ؟ لماذا ؟ إنها الأمانة التي جعلت العالم بن عقيل كذلك وهو طالب علم يفضل الجوع ويصبر رغم أنه وجد كنزاً ثميناً ضاع من صاحبه يقول عن نفسه: حججت عام فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر ، فإذا شيخ ينشده ، ويبذل لمن وجده مائة دينار، فرددته عليه ، فقال : خذ الدنانير ، فامتنعت وخرجت إلى الشام ، وزرت القدس ، وقصدت بغداد ثم وصلت إلى حلب وبتُ في مسجد وأنا بردان جائع ، فقدموني ، صليت بهم ، فأطعموني ، وكان أول رمضان ، فقالوا : إمامنا توفي فصل بنا هذا الشهر ، ففعلت ، فقالوا : لإمامنا بنت فزوجوني بها ، فأقمت معها سنة ، وولدت لداً بكراً ، فمرضت في نفاسها ، فتأملتها يوماً فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر ، فقلت لها: من أين لك هذا العقد فقالت: إن أباها كان له مال وفير وقد اشترى هذا العقد عندما ذهب إلى الحج وضاع هناك فوجده شاب وأبى أن يأخذ مكافأته من أبي .. فحكيت لها ، فبكت وقالت : أنت هو والله ، لقد كان أبي يبكي ، ويقول : اللهم ارزق ابنتي مثل الذي رد العقد عليّ ، وقد استجاب الله منه .. إنها الأمانة التي جعلت ابن المبارك العالم الجليل يعود من مرو في خراسان إلى الشام ليرد قلماً استعاره من صاحبه ومكث في هذه الرحلة شهراً كاملاً .. ذلك أنه بأداء الأمانة يأمن الناس بعضهم بعضاً وتتيسر أمورهم في قضاء حوائجهم وإنجاز معاملاتهم، وتحفظ حقوقهم وتصان الأموال والأعراض وينتشر الخير ويدوم المعروف.
النموذج الثالث : قال نافع : خرجت مع عبدالله ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال : إني صائم.. فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم .. فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر .. وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها .. قال : إنها ليست لي إنها لمولاي … قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب …؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال : فلم يزل ابن عمر يقول : قال : الراعي فأين الله .. فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله ) صفة الصفوة ( 2 / 188)
العنصر الخامس : الأمانة في الفرد والمجتمع
لقد أصبحنا اليوم نبحث عن التاجر الأمين والعامل الأمين والطبيب صاحب الأمانة والبائع الذي يتعامل بالأمانة والموظف والمعلم والمقاول والصيدلي والمهندس وغير ذلك فلا نجد الكثير ، والأمانة خلق شامل لكل مظاهر الحياة فالدين أمانة في يد العلماء ، والعدل أمانة في يد القضاة والحق أمانة في يد المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود ، والمرضى أمانة في يد الأطباء والمصالح أمانة في يد المستخدمين والتلميذ أمانة في يد الأستاذ والولد أمانة في يد أبيه والكلمة أمانة في يد الصحفي والخطيب والوطن أمانة في عنق الجميع قال تعالى (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) البقرة رقم283
وعلى المسلم أن يؤدي الأمانة حتى لا تكون خسراناً عليه يوم القيامة ، وإن هناك أمانات متعددة منها:
أمانة الرجل مع غيره : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» رواه الإمام الترمذي رقم 4868
أمانة الرجل مع زوجته وأمانة المرأة مع زوجها : فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه الإمام مسلم رقم 1437
الأمانة في البيع والشراء : فالمسلم لا يغِشُّ أحدًا، ولا يغدر به ولا يخونه، وقد ” مَرَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” رواه الإمام مسلم رقم 102
أمانة المسئول مع رعيته: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري في صحيحه رقم 7138
أمانة العمل والسعي (الوظيفة): إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع الخيانة في العمل وعدم الوفاء بأمانة العمل عن طريق أن يوسد العمل إلي غير أهله وتوسيد العمل إلي غير أهله فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة وعدم استقرارها وثباتها، وفي التأكيد علي المحافظة علي الاستقرار كان توجيه الإسلام واضحا في بيان أن الأمر إذا وسٌد إلي غير أهله فلننتظر الساعة كناية عن إنتهاء الحياة والاستقرار فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري في صحيحه رقم 6496
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ، وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ» رواه أحمد في مسنده رقم 6872 وصححه الألباني
ولقد سمَّى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن طلبها والتعرُّض لها، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» رواه مسلم في صحيحه رقم 1825
الأمانة في المال العام: فإهدار المال العام يتمثل في صور كثيرة من سوء استخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله تعالي فيما يعمل وفيما يأخذ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» رواه أبوداود في سننه رقم 2943 وحسنه الألباني
، وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ” ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي.
رواه البخاري في صحيحه رقم 6979
عباد الله : على المسلم ألا يغدر بأخيه بل يؤدي الأمانة التي ائتمنه عليها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ “رواه مسلم في صحيحه رقم 1735
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ ” رواه البخاري رقم 2227
وعدم أداء الأمانة من علامة المنافق فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ” رواه البخاري في صحيحه رقم 33
فعلى المسلم أن يحذر من هذا وأن يؤدي الأمانة لصاحبها على أكمل وجه وقد أخبر الرسول r بضياع الأمانة على سبيل التدرج حتى يمحى أثرها من قلوب الرجال، فعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: ” أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ _ أصل _ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ”، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: ” يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ _ يعني يبقى في قلب الرجل أثراً يسيراً للأمانة _ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ _ أثر قليل جداً حتى وكأن الأمانة فقدت من القلوب _ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِيناً، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ”، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِى أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً رَدَّهُ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَناً وَفُلاَناً ” صحيح البخاري رقم 6497
الدعاء : اللهم اشملنا بحفظك وتأييدك ورعايتك، اللهم امنحنا من الأسباب ما يعيننا على طاعتك ورضاك ، اللهم عافنا واعف عنا وعلى طاعتك أعنا ، وإلى غيرك لاتكلنا , ومن شرور خلقك سلمنا ، اللهم ألف على الحق قلوبنا، وأصلح فساد أحوالنا، برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلا هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) سورة الأحزاب:56 ؛ اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين اللهم آمين . وأقم الصلاة،،،،